مجالات الشجاعة: في الجهاد و الخطابة و على المنابر و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إعلان الرأي قال تعالى ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا و أصلحوا و بينوا فأولئك أتوب عليهم و أنا التواب الرحيم ) فهذا تربية لشجاعة الرأي و مخاطبة عظيم في الحديث ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) رواه أبوداود و الترمذي ( سيد الشهداء يوم القيامة حمزة و رجل قام إلى إمام جائر فأمره أو نهاه فقتله ) . من الأمثلة موقف الإمام أحمد في فتنة خلق القرآ ن - رأي العز بن عبدالسلام في كلام الله تعالى أهو حرف و صوت ؟ أم معنى قائم بذاته قديم أزلي ؟ - وموقف العز بن عبدالسلام من بيع الأسلحة للفرنج في عهد الصالح إسماعيل حاكم دمشق - موقفه في مصر من قضية المماليك الذين اشتراهم الملك نجم الدين . و الشجاعة تكون في حالة التعرض للبغي و دفع الظلم و الذل عن النفس و الدفاع عن الحريم و الأعراض و طلب العز و المجد ، ومن أجل بقاء هذا الوجود، شجاعة الموقف ، شجاعة الإرادة التي تشمل ( القدرة على ضبط شهوات النفس و منع جنوحها إلى مهاوي الردى و المهالك - التغلب على مخاوف النفس و هواجسها و قهر أوهامها - ألا ينقاد المرء للجلساء و أصحاب المنافع أو الشهوات التي تخل برجولته أو كرامته أو مروءته )، شجاعة القرار مثل ( إمضاء أبي بكر الصديق الجيش لحرب المرتدين - جمع أبي بكر الصديق القرآن في المصحف - انسحاب خالد بن الوليد في غزوة مؤتة )، وغيرها كثير، و أعلى الشجاعة هو التقدم للتضحية بالنفس في سبيل الله تعالى ، و الحلم من الشجاعة . أعظم الشجاعة الخوف من الله عز و جلّ قال الأول :
ليس الشجاع الذي يحمي فريسته ----- عند القتال و نار الحرب تشتعل
لكن من رد طرفاً أو ثنى وطراً ----- عن الحرام فذالك الفارس البطل
و لذلك قال بعضهم : لا ينتصر العبد في المعركة حتى ينتصر في نفسه على الشهوات و المعاصي و المخالفات . من مجالات الشجاعة الانتصار على النفس و الذات و الشهوات . الدفاع عن النفس عند التعرض للاعتداء أو لحماية ما يُرى فيه نفعه و ملذاته و هي سر بقاء البشر و استمرار الحياة و عمران الأرض . قال أبوبكر الصديق لخالد بن الوليد : احرص على الموت تُوهب لك الحياة . و العرب تقول : إن الشجاعة وقاية و الجبن مقتلة . و من دوافع الشجاعة طلب الثناء و الذكر الحميد و هو منهي عنه . و ذكر الأبشيهي أوجه الشجاعة عند اللقاء في الحرب في كتابه (المستطرف) . الشجاعة تكون في كثير من الأحيان حاسمة لبعض المواقف الشائكة و الرجل الشجاع درع لأمته و صون لها .
--------------------------------------------------------------------------------
و ضد الشجاعة الجبن
والجبن يكون نتيجة تخوف و تغلب المخاوف المرتقبة أو الحاصلة أمام الناظرين فيحجم و لا يعود شجاعاً . مرض الجبن عند الجبناء يكبر بالوهم و أكثر مرض الناس و هم من أحاديثهم و ما تفتعله خواطرهم وما يتلقفونه من الحوادث و ما يشعرون به من نقص إيمان يقول الله تعالى عن ذلك الصنف من المنافقين ( يحسبون كل صيحة عليهم ) ( أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون ) . الجبناء يخافون من البشر أكثر من خوفهم من الله . في الحديث ( شر ما في رجل شح هالع و جبن خالع ) رواه أبوداوود . و الجبن و الخور و العجز ليس من محاسن الرجال ومما ذمه الله و رسوله صلى الله عليه و سلم . الإقدام قد يكون محموداً و قد يكون مذموماً و كذلك في الإحجام قد يكون محموداً و قد يكون مذموماً و الضابط في ذلك هي الحكمة. و عدت العرب الجبن جريمة كبرى و سيئة في الرجل . الجبان يموت في اليوم مائة مرة و الشجاع يموت مرة واحدة الجبان يتوهم كل شىء ضده و الشجاع يتصور أنه ضد كل شىء إلا كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم و ما والاهما . قال عمر بن الخطاب: اللهم إني أشكو إليك عجز الثقة و جلَد المنافق .
--------------------------------------------------------------------------------
وكمال الشجاعة وزينتها
أن تكون بإرشاد العقل متزنة و متوافقة مع الحكمة فإن الشىء إذا زاد عن حد الحكمة خشي أن يكون تهوراً و سفهاً و إلقاءً باليد للتهلكة و ذلك مذموم كما يذم الجبن فالشجاعة خلق فاضل متوسط بين خلقين رذيلين هما الجبن و التهور.
--------------------------------------------------------------------------------
و ثمرة الشجاعة
الإقدام في الأقوال و الأفعال و عند القلق و الأضطراب . وهي فضيلة من أسمى الفضائل ، و إن شئت فقل إنها حارسة الفضائل. يعيب كل شخصية ألاّ تتصف بهذا الخلق الرفيع فالدافع لتحمل الألم و التعرض للموت بشجاعة يتمثل في أن القيام بذلك عمل نبيل بينما الإحجام عنه عمل وضيع ، فالرجل الشجاع يتصرف كذلك من أجل ما هو نبيل لأن ذلك هو مقصد الفضيلة. و هي جزء من الفضيلة ، وهي من أخلاق الإسلام التي ساعدت المسلمين على الفتوح و السيادة في الأرض . الشجاعة هي ينبوع مكارم الأخلاق و الخصال الحميدة و معظمها منشؤها منها و مردها إليها . قال الطرطوشي: و أعلم أن كل كريهة ترفع أو مكرمة تكتسب لا تتحقق إلا بالشجاعة . رؤوس الأخلاق الحسنة أربعة - تحمل على غيرها من محاسن الأخلاق- وهي: 1 -الصبر:يحمل على الاحتمال وكظم الغيظ وكف الأذى -- 2 - العفة: تحمل على تجنب الرذائل والقبائح -- 3 -الشجاعة: تحمل على عزة النفس وإيثار معالي الأخلاق -- 4 - العدل: يحمل على الاعتدال والتوسط. قال الأبشيهي: أعلم أن الشجاعة عماد الفضائل ، و من فقدها لم تكمل فيه فضيلة يُعبَّر عنها بالصبر و قوة النفس . قال ابن القيم في زاد المعاد : الشجاعة من أسباب السعادة فإن الله يشرح صدر الشجاع بشجاعته و إقدامه و هذا معلوم لأن الهم و القلة و الذلة و حقارة الحال تأتي من الجبن و الهلع و الفزع وأن السعادة و الانشراح و الضحك و البسطة تأتي مع الشجاعة و الإقدام و فرض الرأي و قول كلمة الحق التي علمها رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه . و الشجاعة تثمر محبة الله عز و جل لحديث ( ثلاثة يحبهم الله عز و جلّ و ذكر منهم و رجل كانوا في سرية فلقوا العدو فهُزموا ، فأقبل بصدره حتى يُقتل أو يفتح الله له ) رواه النسائي و الترمذي و صححه و الحاكم و قال : صحيح على شرط الشيخين و وافقه الذهبي .
و علاقة الشجاعة بالكرم أن الكرم إن كان ببذل النفس فهو شجاعة . و علاقة الشجاعة بالصبر أن الصبر في المحاربة شجاعة . يقال : الشجاع محبب حتى إلى عدوه ، و الجبان مبغض حتى إلى أمه .